تزوج الحجاج بن يوسف الثقفي من إمرأة إسمها "هند بنت المهلّب" رغما عنها وعن أبيها، وكانت ذات جمال أخاذ. وكان الحجاج بن يوسف كما تعلمون دميماً، وكانت تكرهه وتتمنى الخلاص منه، وأحس بهذا فسلط عليها خادماً له يثق فيه يتجسس عليها، فبلغه الخادم أنها تقضي أغلب وقتها تبكي وتلعن اليوم الذي تزوجت فيه الحجاج، فأخذ الحجاج يراقبها في وقت خلوها بنفسها، وذات مرة وبعد مرور سنة، جلست هند أمام المرآة تندب حظها وتشتكي كرهها له، وتسأل نفسها كيف الخلاص منه وتقول :
ﻭﻣﺎ ﻫﻨﺪ إﻻ ﻣﻬﺮﺓ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺳﻼﻟﺔ أﻓﺮﺍﺱ ﺗﺤﻠﻠﻬﺎ ﺑﻐﻞ
ﻓإﻥ أﻧﺠﺒﺖ ﻣﻬﺮﺍ ﻓﻤﻦ ﻃﻴﺐ أﺻﻠﻬﺎ
ﻭإﻥ أﻧﺠﺒﺖ بغلا ﻓﻤﻦ ﺫاﻚ ﺍﻟﺒﻐﻞ
فسمعها الحجاج فغضب، فذهب إلى خادمه وقال له : إذهب إليها وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط لو زدت ثالثة قطعت لسانك، وأعطها هذه العشرين ألف دينار، (لاحظوا الإهانة يوكل تطليقاً لخادم)، فذهب إليها الخادم فقال : كنت فبنت (كنت : يعني كنت زوجة، فبنت يعني أصبحت طليقة)، ولكنها كانت أفصح من الخادم وأذكى فقالت : كنا فما فرحنا، فبنا فما حزنا، وحز ذلك في نفس هند بنت المهلب وأحست بمدى إهانة الحجاج لها حين وكل خادمه بطلاقها ولم يطلقها هو بنفسه، وصممت على أن ترد له الصاع صاعين، وقالت للخادم خذ هذه العشرين ألف دينار لك بشراً لك بخبر طلاقي، وبعد طلاقها من الحجاج بن يوسف لم يجرؤ أحد على خطبتها، وهي لم تقبل بمن هو أقل من الحجاج في مكانته، فأغرت بعض الشعراء بالمال فامتدحوها وامتدحوا جمالها ورجاحة عقلها عند عبد الملك بن مروان، فأعجب بها وطلب الزواج منها، فلما خطبها وافقت وبعثت إليه برسالة تقول : أوافق بشرط أن يسوق البغل أو الجمل من مكاني هذا إليك في بغداد الحجاج بن يوسف نفسه، وكان الحجاج والياً على العراق عند الخليفة عبد الملك بن مروان ولا يستطيع مخالفته، فوافق الخليفة الأموي وأمر الحجاج بقيادة بغلة هند إلى قصرها، فبينما الحجاج يسوق الراحلة إذا بهند تسقط من يدها ديناراً متعمدة ذلك، فقالت للحجاج : يا غلام، لقد وقع مني درهم فأعطنيه
فأخذه الحجاج فقال لها: باستهزاء إنه دينار وليس درهماً
فنظرت إليه وقالت : الحمد لله الذي أبدلني بدل الدرهم ديناراً
ففهمها الحجاج بن يوسف وأسرها في نفسه، أي أنها تزوجت خيرا منه.
وعند وصولهم تأخر الحجاج في الإسطبل والناس يتجهزون للوليمة فأرسل إليه الخليفة ليطلب حضوره، فرد عليه : نحن قوم لا نأكل فضلات بعضنا
ففهم الخليفة، وأمر أن تدخل زوجته العروس هند بنت المهلب بأحد القصور ولم يقربها إلا أنه كان يزورها، فعلمت هي بسبب عدم دخوله عليها، فاحتالت لذلك وأمرت الجواري أن يخبروها بقدومه، فتعمدت قطع عقد اللؤلؤ الذي تلبسه عند دخوله ورفعت ثوبها لتجمع فيه اللآليء، فلما رأى ساقيها أثارته روعتها، وأخذت تجمع اللؤلؤ وهي على هذه الحال وهو مشدوه، ثم جلست تنظم حبات اللؤلؤ وتقول باستغراب سبحان الله، وتكررها مراراً وتهز رأسها، فقال عبد الملك: بن مروان : لم تسبحين الله
فقالت : إن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك، ولكن شاءت حكمته ألا يثقبه إلا الغجر.
فقال متهللا : نعم والله صدقتي، قبح الله من لامني فيك، ودخل عليها من يومه هذا، فغلب كيدها كيد الحجاج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
Commenter ici: